الانقسام الإيديولوجي داخل هيئة تحرير الشام: نحو انهيار الجناح العسكري؟

محمد حمود يكتب –
تكشف التطورات الأخيرة في المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام عن أزمة بنيوية وإيديولوجية عميقة داخل هذا التنظيم. فالخلافات المتصاعدة بين الفصائل المسلحة، خاصة المقاتلين غير السوريين، تشير إلى تآكل في وحدة القيادة العسكرية، وإلى احتمالات كبيرة بانشقاقات دموية قد تهدد بقاء الهيئة بصيغتها الحالية. ومع انضمام مجموعات أجنبية إلى تنظيم ناشئ يعرف بـ”القرشي”، تواجه قيادة الهيئة وعلى رأسها أبو محمد الجولاني تحدياً وجودياً.
تصاعد الخلافات الإيديولوجية وظهور طيف “القرشي”
في قلب الأزمة الراهنة، تقف الخلافات العقائدية بين الموالين للجولاني من جهة، والمجموعات الراديكالية غير السورية من جهة أخرى. فقد أعلنت مجموعات من العرب والشيشان والإيغور انشقاقها عن الهيئة ومبايعتها لتنظيم “القرشي”، الذي يتبنى نهجاً أكثر تطرفاً ويقوده أحد عناصر تنظيم داعش السابقين. ويقدم هذا التنظيم نفسه كبديل “نقي وغير مهادن”، في مقابل ما يعتبرونه “خيانة” الجولاني لمبادئ الجهاد.
انهيار الثقة الداخلية وخطر اندلاع حرب جهادية داخلية
استمرار حالة الانشقاق ينذر بصراعات دموية بين الفصائل المسلحة. فقد نقلت مصادر من داخل الهيئة أن كبار القادة في حمص يعانون من قلق شديد بسبب احتمال وقوع اغتيالات داخلية تهدد حياة الجولاني نفسه. وفي هذا السياق، لم يعد الخطر الحقيقي يأتي من النظام السوري أو من القوى الخارجية، بل من داخل المعسكر الجهادي ذاته.
من التطرف إلى الانشقاق: خيانة أم تحوّل؟
كان العديد من المقاتلين الأجانب ينظرون إلى الجولاني كرمز للخلافة الإسلامية. لكن تحوّله الأخير نحو نهج أكثر براغماتية ورفضه لبعض الممارسات المتطرفة و تعيين الأقارب في المناصب المهمة وعدم إشراك مجموعات أخرى في الشؤون الحكومية دفع الكثيرين إلى التمرد عليه، معتبرين أنه استغلهم للوصول إلى السلطة ثم تنصل من “مشروع الخلافة”.
عنف متصاعد وهجمات تستهدف المدنيين
نفذت مجموعات من التيار التكفيري مؤخراً هجمات على أماكن مدنية كملهى “الكروان” في حي الحجاز بدمشق، ومطعم “ليالي الشرق” وسوق للخمور في حي مسيحي بحمص، مما أدى إلى مقتل امرأة وجرح عدد من المدنيين. وتدل هذه الهجمات على نية التنظيم الجديد في إشعال فتنة طائفية وترويع المجتمع.
رد الجولاني: تنازلات محفوفة بالفشل
حاول الجولاني امتصاص الغضب داخل التنظيم من خلال تقديم تنازلات، مثل السماح بعمليات عسكرية محدودة في مناطق الساحل وصحنّايا، لكن هذه التنازلات لم تكن كافية لتهدئة المجموعات الغاضبة. ويرى هؤلاء أن الجولاني يمنحهم أحياناً الضوء الأخضر، ثم يوقف العمليات تحت ضغوط دولية، مما يعزز شعورهم بالخيانة والخذلان.
فتُظهر الأحداث الأخيرة أن هيئة تحرير الشام باتت تواجه خطراً داخلياً أكبر من أي وقت مضى. الانشقاقات المتتالية، خصوصاً بين العناصر غير السورية، تهدد بانهيار بنيتها العسكرية وإعادة تشكيل المشهد الجهادي في سوريا. إن قدرة الجولاني على احتواء هذه الأزمة – أو فشله في ذلك – قد تحدد مصير الهيئة وربما مستقبل المشروع الجهادي بأكمله في الشمال السوري.